-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

عزة القبيسي لموقع «سبا»: أنا السفر والسفر أنا...



وظفت النخلة والعود في صناعة المجوهرات ووصلت للعالمية

 

حاورتها: فاتن حمودي

 

تسألها عن السفر، فتقف برهة لترد «أنا السفر والسفر أنا، إنه تؤامي منذ فتحت عيني على هذه الحياة، كان السفر في بيتنا أسلوب حياة، وفصول، وسرعان ما أصبح طريق، طريقي للعلم والمدرسة الداخلية، وطريقي في الجامعة، وطريقي إلى نفسي».

عزة القبيسي مصممة المجوهرات الإماراتية، وهي المؤسس والرئيس التنفيذي للعلامة التجارية «ارجمست» لصناعة المجوهرات، وصانعة الكثير من المبادرات، صاحبة اللؤلؤة السوداء في مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي، تقول في حوار خاص لجريدة «سبا» الثقافية:

«السفر بالطائرة يمنحني ألف خيال، وأغدو كأنني فرس يمتطي الغيم ليبدع على أرض أبو ظبي، الرحلة في البحر تأخذني إلى ذاكرة أجدادي المبحرين عن اللؤلؤ وكسب الرزق واكتشاف الأراضين... وفي القطارات تستوقفني المحطات، وكأنها فواصل زمن وعمر وتجربة، أما  السيارات وسفن الصحراء فتأخذني إلى ليوا لأصرخ بأعلى صوتي للواحة والصحراء وجارة البحر والرمل من هنا مرّ التاريخ فلنتنفس  طويلاً».

 

ثم تتوقف طويلاً في رحلاتها إلى إسبانيا حيث بيتهم في ماربلا، ثم تخصصها ودراستها في لندن، وألمانيا مدرستها الداخلية وقولها أنه: «من الصعب تكثيف الرحلة، إنها مذكرات وحياة ووجوه وأصوات، ومهارات»، وهي العارفة بأن الأوطان تمنح المرأة جواز عبور نحو العالم لتقول نفسها وبلدها وتضيف دائماً من ثقافة الشعوب، التي تنعكس في الغناء، والأزياء، والحلي والإكسسوارات، والثقافة لا سيما ثقافة الطيبة والحب والسلام.

 

فلسفة السفر:

حول السفر والرحلة، كتجربة وفلسفة تقول:

«أنا السفر والسفر أنا، السفر اكتشاف الذات أولاً، وأن تعرف غنى ثقافة الشعوب، وأن لا تنسى وجوههم، وأغانيهم، وذاك الوجدان المتبقي الذي نبحث عنه دائماً. ولأن السفر جزء من طفولتي، ومراهقتي، باتت حياتي مرتبطة بالسفر، السفر في الصيف، والسفر لاكتساب العلم، والسفر للتجدد، وهكذا فإن السفر بالنسبة لي كتاب حقيقي، حين أسأل عنه، أقف وأقول هل يمكن أن أحكي عن سفري في جملة أو حتى مقالة، أنا البنت التي فتحت عينيها على السفر، وأسماء المدن، وركوب الطائرة، وكان يندر أن تمر ستة أشهر بدون سفر.

ولأن أهلي عودوني على السفر، فإنني أعشق السفر والرحلة، مجرد ركوبي الطائرة تفتح أمامي أبواب الإبداع، لدرجة أن الكثير من أفكار معارضي الفنية تبدأ كفكرة من لحظة ركوب الطائرة، في إحدى رحلاتي تراءت أمامي فكرة تصميم بيتي، خطر لي أن تكون الحدائق بين الغرف، وأذكر أنني حين عرضت لاحقاً الفكرة على المهندس المشرف على تصميم بيتي، كيف دهش وأعجبته الفكرة، من هنا فإن السفر والسياحة يبعدنا عن السقوط في الروتين والعادي، اليوم تغير الموضوع كثيراً فبعد الزواج والأولاد تزداد المسؤوليات، ربما تقل فرص السفر، ولكنها تبقى كخيار حقيقي في الحياة، أي مغادرة للمكان تجدد واكتشاف، وبالتأكيد فإن لكل مدينة سحريتها وخصوصيتها».

  

·       ولو عدنا إلى طفولتك وسنوات عمر مضت، حيث ارتبط السفر بالفصول، فأي المدن تستوقفك؟ ولماذا؟

نعم. كان السفر مرتبطاً بمجيء الصيف، مجرد ارتفاع الحرارة كان يعني لأسرتي السفر، وكان غالباً  إلى إسبانيا وسويسرا وألمانيا.

ماربيا بيتي:

ذكريات الطفولة كانت في هذه المناطق الثلاث: ماربيا في إسبانيا، ولندن وسويسرا، وكان هناك سفر لإيرلندا وفرنسا وأمريكا، ذكرياتي مع رحلات الأهل تبدأ من ماربيا، هناك حيث بيتنا الصيفي، لم أشعر حينها إلا أنني أمضي على بيتي، الذي يقع في مكان ساحر وطقس معتدل، والبيوت البيضاء التي تتدلى من شرفاتها الأزهار.

الضفة الشرقية لنهر الوادي الكبير، هناك كنا نتجول في البلدة القديمة، ونمضي إلى الشواطئ، نتعرف على ثقافات مختلفة.

أما زيارتي لألمانيا في مراحل فعلمتني معنى البيئة وإعادة التدوير، وكنت أحضر المؤتمرات مع أبي، وخاصة المرتبط بالبيئة، وهذا فتح أمامي فرصة التعرف على أناس مختلفين.

 

المغرب أسواق ومهن:

·       يبدو واضحاً بأن أسفارك كانت نحو الغرب، ماذا عن الرحلة إلى الدول العربية؟

صحيح تماماً، ففي لحظة ما وخاصة بعد أن أبحرت بنا السفينة من إسبانيا باتجاه طنجة، وكان هذا عام 2000م شعرت أن الوالد يقتصر رحلاتنا للدول الأوروبية، فقد شكّلت لي الرحلة إلى المغرب حالة من السحرية والاكتشاف، أتذكر أسواق المدن  والمهن اليدوية فيها، تطوان وكازبلانكا، ولا تزال صورة النحاسين تبهرني وصانعي الزجاج، ولا أزال أحتفظ بهدايا اشتريتها، وكانت قد صنعت أمام عيني، لهذا أحتفظ ببيريق عيني وأنا أرى النار وصانع الزجاج الملون يلعب بسيخ حديدي ينفخ به ويحركه في الهواء فيخرج كأساً أو شمعدان أو حصالة، أنا التي وضعت الكثير من سنوات عمري في حقيبة وأطلقت أقدامي في الريح، تجولنا في المغرب، طنجة وكانت من أروع التجارب كبيئة وأكل وعادات ومهن وحرف، وهو ما جعلني ازورها مرة أخرى مهنة الدق على النحاس، عملت هناك ورشة عمل في فاس، مهنة  تعلمتها لأنني شعرت بأهمية التقنية ومن باب تطوير مهاراتي، المهن فن وثقافة، ولا شيء يضيع لأنني وظفت الكثير من معارفي في مهنتي لاحقاً.

  

السفر وحدي:

·       بعيداً عن السفر مع الأهل، هل عشت تجربة السفر وحدك؟ وماذا تعلمت من هذه التجربة؟

بعد أن تجاوزت الخامس عشر من عمري، كان لي تجربة سفر إلى مونتغوا في سويسرا، أوّل سفرة لي بدون الأهل، أول اعتماد لي على النفس والمواجهة، وكانت من أروع تجارب حياتي، «مَن سمع ليس كمَن رأى»، وهذا ما ينطبق تماماً على سويسرا، بلد المتعة الحسية والبصرية والروحية، تشتهر مونترو بقلعة «شيلون» الخرافية التي يعود بناؤها إلى القرن الثالث عشر، وتطلّ على بحيرة جنيف غرب سويسرا، هناك تعيش دهشة دائمة من مناظر جبال الألب التي تحيطها وكروم العنب التي تعزف سيمفونية الحنين إلى كل ما هو جميل وإيجابي في هذا العالم، وكانت سويسرا بالنسبة لي تعني الشوكولا والناس الطيبون والرقاة، إضافة إلى اللغة، في سويسرا عشت تجربة المدرسة الداخلية، وعرفت معنى الرحلات المدرسية مع طالبات المدرسة، رحنا رحلات داخل سويسرا ونلت ميدالية برونزية في بالتزلج، ثم رحنا إلى عمان وكانت التجربة الأولى لي إلى الدول العربية، في عمّان عرفت معنى المدن العربية، ومعنى المهن والخصوصية، قضينا في الأردن أياماً، اكتسبت خلالها الكثير من المعلومات الخاصة بالأماكن الأثرية، بترا، وجرش، ولغاية اليوم أحتفظ بصناعات زجاجية وحرفية، صنعت أمامنا.

 

لندن التنوع الثقافي:

وبعد سنوات عشت في لندن أثناء تخصصي في التصميم، وكان هذا عام 1997م وحتى 2002م، زرت خلالها عدداً من المدن، دورمنغهايم، ومانشيستر، هناك عرفت معنى التنوع الثقافي، زرت الكثير من المتاحف، والمعارض ومنها سن سيشن، دوركهايم، وتعرفت على فنانين عالميين.

وأعتبرها من أروع التجارب في حياتي، فقد درست التخصص الذي أحلم به، ومن هناك زرت فرنسا، وأمريكا ورحت شيكاغو وبوسطن، في بريطانيا نفسها رحت دوركهايم ليز ساري، مانشستر، عشقت لندن بسبب التنوع الثقافي، وربما بسبب أسلوب الحياة.

 

·       وماذا تقولين عن تجربتك التي تمتد أكثر من عشرين عاماً؟

أعمالي تتركز على صناعة وتصميم الدروع والهدايا، للسباقات والمهرجانات والجهات الرسمية، وهذا ما تميزت به منذ عام 2005م. وتجربتي الفنية تتراوح بين قطع المجوهرات والتحف الكبيرة، التي أعتبرها مجوهرات ولكن بحجم كبير، وبالتأكيد كل الشعوب تعتز بإكسسواراتها ومجوهراتها، لأنها تعكس ثقافة مكان، في سوريا مثلا ثقافات متعددة، في حلب ودمشق، هناك الكرد والسريان والأرمن، كل مجموعة لها ثقافتها، من هنا تأتي أهمية التنوع في المكان الواحد، وهذا موجود في معظم الدول التي مضيت إليها.

 

هناك الكثير من المجموعات في أعمالي وصلت إلى العالمية، بسبب ما أضفته من خصوصية شرقية وخليجية، في مجموعة «بريق العود»، انضممت لأفضل مصممي الأقراط في العالم، ووصلت إلى العالمية، التصاميم مستوحاة من العود التقليدي ومكانته التراثية في حياة سكان الإمارات، مجموعة الحياة فتصاميمها مستوحاة من الماء، وفيها تعبير عن الحياة حيث تمثل الدوائر الناحية البصرية للحب.

  

·       هل ثمة مدن ارتبطت بمعارضك ونشاطاتك الثقافية؟

أكيد هناك العديد من المدن والدول، لهذا أقول بأن الرحلة إما رسمية، أو خاصة بعيداً عن العمل، من رحلاتي الرسمية كانت مع سيدات أعمال أبو ظبي، وكانت إلى الهند، ورغم أن زيارات العمل والمعارض تكون مزدحمة باللقاءات، إلا أنك تستطيع اكتشاف الشارع الذي تمرّ به، فالهند لها نكهة خاصة وملامح لا تنسى، المجوهرات الصناعات، الأقمشة. في الهند عشت فيلماً واقعياً رأيت أولاد الشوارع الفقراء، الأثرياء، الازدحام، كنت أرى أولاد الشوارع والباعة المتجولين في الأفلام، هناك صرت أمام الواقع وجهاً لوجه، في نيودلهي زرنا تاج محل، وذهبنا بومبي، وعشت تجربة وخصوصية الطعام الهندي وتنوعه.

من المدن التي أقمت فيها معارض، باريس وقد زرتها أكثر من مرة، وبلجيكا أيضاً أقمنا معرضاً هناك من خلال السفارة، معالمها فوق الرائعة الباليفيان اكسبو، وكنت أترك في كل سفارة من سفارات وطني، عملاً لي، في برلين عندي، وفي بلجيكا وغيرها، وقد زرت عدداً من المدن وكانت ضمن الرحلات السياحية الخاصة برفقة زوجي، كانت غنية جداً ولها معنى خاص.

رحت فلندا عدة مرات، وأحببتها، فهي جزيرة مثل مدينتي أبو ظبي، عرفت هناك طيبة الناس، فهم يشبهون العرب، وشعوب الشرق، حرص الناس على بعض، الإنسانية لمستها هناك، أيضاً زرت ستوكهولم والسويد.

 

·       حدثينا عن التحدي تقولين كانت كلمات والدي «إذا لم تنجحي فلا تلوميني على فشلك».

نعم كانت كلماته بمثابة الوقود الذي حرك  داخلي طاقة كبيرة ودفعها إلى الإبداع في هذا المجال، حتى أصبحت أول اسم إماراتي يدرج ضمن موسوعات الذهب العالمية، أنا الذي لعبت على الفضة، وتصميم المجوهرات والحرف المصاحبة إلى جانب حصولي على شهادة تقييم الألماس من بلجيكا.

مضيت من خلال العود والنخلة إلى محاكاة التراث الإماراتي، برؤية معاصرة، اعتمدت في تصاميمي على مواد محلية أشكلها بطريقة يدوية.

في معرض «الهويات»، حاولت العمل على تعزيز ارتباط السياحة بالمعرفة الإبداعية وزيادة الوعي بأصحاب الهمم في المجتمع، اقتصرت الأعمال الفنية المعروضة على مادة «جريد النخيل» المستلهمة من البيئة والتراث الإماراتي، والتي شارك في إنجازها عدد من الفنانين الإماراتيين والمقيمين، منهم: محمد الأستاذ، عمار العطار، جلال لقمان، حمدان الشامسي، سمية السويدي.

  



·       «أبجدية الحياة» عكست  تجربة الإمارات في التطور الذي شهدته خلال 50 عاماً، حدثينا عنه.

«أبجدية الحياة» هذا المجسم توسط قاعة المجمع الثقافي بأبو ظبي، في معرض «الفنانون والمجمّع الثقافي: البدايات» أردت أن أري العالم التطور الذي شهدناه، في فترات مختلفة. لهذا استخدمت الحديد كمادة حية متجددة لأن لونها يتغير مع العمر، مثلما نتغير كبشر.

وإلى جانب الحديد استخدمت «الكربة» وهي الجزء الأملس من سعف النخيل، وذلك لأن النخيل جزء من رموزنا المحلية.

استخدمته بطريقة ثلاثية الأبعاد في مجسم يعتبر أكبر قطع المعرض حيث يصل ارتفاعه إلى 4.5 متر، وقطره 3.5 متر، وبشكله الحلزوني يعكس حياتنا وتطورنا.

 

المرأة الإماراتية:

في الإمارات خصص للمرأة الإماراتية ، وأشير هنا إلى أنني لم  أشعر خلال نشأتي بالفرق بين الرجال والنساء. في العقود الماضية، تغيّرت أشياء كثيرة فيما يتعلق بالقواعد واللوائح التي صيغت لتمنحنا حقوقاً متساوية بطرق عديدة، وأعتقد أن الإمارات دولة رائدة في العالم العربي عندما يتعلق الأمر بالمساواة، فنجد النساء في الحكومة وقطاعات عديدة مُختلفة.

اليوم نؤمن أن الحدود التي تُقيّد المرأة هي فقط التي تضعها داخلها بنفسها.

المرأة جزء مهم جداً من المجتمعات الإنسانية، لا بد أن يكون لها حضورها المضيء، بدءاً من البيت مروراً بكل مناحي الحياة، فهي نخلة المكان الباقية أبداً.

 

 

تعديل المشاركة Reactions:
عزة القبيسي لموقع «سبا»: أنا السفر والسفر أنا...

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة