-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

"كسر العزلة الثقافية" للشاعر والناقد لقمان محمود

 

 


قدّم أخيراً الشاعر والناقد الكردي السوري لقمان محمود مجموعة من الحوارات التي أجريت مع بعض كبار الشعراء والكتاب والفنانين الكرد المعاصرين والمعروفين كردياً وعربياً وعالمياً مثل شيركو بيكس، وعمر حمدي، وعز الدين مصطفى رسول، وغيرهم، وقد نشرت الحوارات في مجلتي سردم العربي، وإشراقات كردية.

يقول لقمان محمود في تقديمه للكتاب الذي بعنوان «كسر العزلة الثقافية... الجزء الأول»، والصادر عن دار العابر للنشر والتوزيع، أنّ الحوار يلعب دوراً مهماً في النهوض بالأدب، وكذلك في تبادل الثقافات بين الشعوب. والحوار الأدبي عالم تتحرك فيه الأحداث والحقائق، وتنتعش فيه الذاكرة بقوة.

هكذا نقترب من جوهر الأدب، من روح الشعوب. هكذا يصبح الأدب سِفراً إلى الآخر الذي فيما هو يؤسس لاختلافه وأسئلته، يجعلنا نراه، وعندها نرى أنفسنا.

هل نقول بأن الحوار جنس أدبي غير مكتمل؟ أم نُعيد ما قاله غابرييل غارسيا ماركيز: الحوار مثل مزهرية الجدّة تساوي ثروة، لكن لا أحد يعرف أين يضعها.

مع هذه الحوارات، نُعيد اكتشاف المشترَك الإنساني على مستوى الوعي بالإبداع، وعلى مستوى وظيفتها المفترَضة داخل سياقات جغرافية وسوسيو- ثقافية مختلفة.

فأغلب المبدعين الذين يضمّهم هذا الكتاب تربطني بهم صداقات عميقة. دخلتُ بيوت بعضهم، بدعوة منهم، وشاركتُهم الطعام.

وأود أن أشيد في هذا المجال بالحوارات الثمينة مع الأصدقاء المبدعين وهم: شيركو بيكس، عمر حمدي، آزاد البرزنجي، عز الدين مصطفى رسول، طيب جبار، رؤوف بيكرد، آوات حسن أمين، وإسماعيل خياط.

لقد كانت هذه الحوارات مهمة، حيث أثيرت فيها الكثير من القضايا، فغاية الفنون جميعاً هي توسيع مساحة الحرية وارتياد المدارات المجهولة.

والحاصل أن الإبداع الكردي ينطوي على حلم مثالي، لا أثر فيه للظلم والطغيان، رغم أنه ولد في بركة من الدماء والدموع.

ففي وقت الهزائم، وفي المنافي، يطيب الحديث عن الماضي.

ومن أجواء الكتاب نقرأ إنه عندما سئل الشاعر شيركو بيكس عن سرّ تعلقه وانشغاله بالدفاع عن القضايا الإنسانية النبيلة المتمثلة في الحرية والكرامة والحوار بين الحضارات، أجاب: الشاعر بطبيعته يحب أن يكون إنسانياً، و الشاعر حينما يخرج عن إنسانيته، يفقد شاعريته، فالشاعر هو الموقف و هو الآخر. وعالمنا اليوم عالم متكامل بكل أجزائه، ولا أستطيع الكتابة بعيداً عن إنسانيتي الشعرية، سواء بالنسبة للكرد أو غيرهم، وهذا شيء موجود وثابت كمسألة الحرية والكرامة الإنسانية والجوع والفقر. جميعها مسائل مشتركة... الحقوق والمطالب العادلة والآمال والنكبات تشمل الجميع. ولكن وبالطبع لكل شاعر عالمه الخاص، ومن حقي أن أهتم بقضايا شعبي قبل الاهتمام بقضايا الآخرين، ولكن هذا ليس بمعزل عن الإنسانية، وعلى أي حال فأنا شاعر كردي ولكنني إنساني بنفس الوقت. أعتبر نفسي  مسؤولاً عن كل شيء يجري في هذا العالم، ولكنني أنظر للأحداث بمنظور شاعر كردي، ولذلك حينما أرى طفلاً في الصومال أتجاوز الحدود وأعتبره طفلي وهو يموت جوعاً. أو شاب منتفض في ساحة التحرير بالقاهرة. أرى هؤلاء جميعاً على طاولتي عند الكتابة وهم متشخصين أمام ناظري وفي قلبي وفي كتاباتي، لذلك لا أستطيع أن أنأى بنفسي عن إنسانية الشعر فهذا غير ممكن.

فلنكن دائماً أصدقاءً للمحبة الشعرية، ولنكن دائماً بجانب الشعوب المضطهدة، وأن نكتب بدمائنا وأرواحنا. فالإبداع لا يأتي من فراغ، والأشياء الجميلة قليلة، وأنا أعتبر نفسي أحد الشعراء في هذا العالم، وأريد أن أتواصل بحبي مع الآخرين خارج المألوف، وبنفس الوقت أعتبر نفسي مسؤولاً عما يجري في هذا العالم.

وفي حواره مع عمر حمدي (مالفا) أسطورة الفن الأكثر شهرة حول العالم، يقول مالفا «الفن التشكيلي، منذ بدء الإنسان حمل مسؤولية العمق الإنساني، طقوسه، وطموحاته، وغرائزه... الفن شارك في صناعة الآلهة، وتخليدها، وإلى يومنا هذا، يعتبر الفن اللغة المتعددة في اتساع الأرض والثقافات، وهو المحور الرئيسي في صناعة التاريخ الإنساني.... وبأن الحياة مقدسة. فالفن لغة سلام، ومحبة وحضارة... وما يحدث في هذا العالم من صراعات سياسية واقتصادية، من الضروري بأن يكون الفن خلاصة طبيعية لهذه المناخات الراديكالية في تجربة الإنسان، وكي لا يبقى الإنسان دائماً ضحية القوى، يكون الفن أول من يحمل مسؤولية هذا التوازن بين الأرض والحركة القائمة عليها، الفن شهادة عصر،  عين بلون واحد».

ويضيف «أرسم منذ طفولتي، ولدتُ رساماً، وأنا واحد من ملايين الفنانين في هذا العالم، أحمل تجربتي، قصتي، انتمائي وأسافر من مكان إلى آخر. أخرج من دائرة الزحام، لأتأمل هذا الكون، فيكون الكل أنا، وأنا الكل. من هنا تبدو نقاط الاختلاف وخصوصية الرؤى. تجربتي  تؤكّد وجودي كإنسان من هذه الأرض، وبأن الحياة قاسية، رغم زخمها واختلافاتها وصراعاتها، إلا أنها دائما تبقى، فمن أجلها نرسم ، لنكمل ما لم يتم إكماله.

أرسم لأصبح حراً، فأنا مع الآخرين، أحلم معهم  لنستمر. هذا الحلم سيتحول إلى حقيقة في نهاية السيل، لكنه سيكون باهظاً. هذه الإنسانية إن لم تكن بلا دماء ولون، لن تكون التربة خصبة للقادم، ومن أجل هذا الغد يتحول اللون إلى دم، لتكون أزهارنا بيضاء».

ويقول الكاتب والمترجم آزاد البرزنجي في حواره «في الحقيقة إنّ  الترجمة عندي هي إعادة خلق نصّ ما مجدداً. ولا بدّ أن أشير إلى مسألة مهمة في عالم الترجمة وهي مسألة الاختيار. ففي نظري، إن اختيار نص ما لا يأتي من فراغ، بل إن هذا الاختيار يأتي نتيجة الحصيلة  الثقافية  لذلك المترجم. أي أن اختيار نص ما للترجمة يشير إلى مدى عمق الرؤية الأدبية والإبداعية أو المستوى الفكري والثقافي لذلك المترجم. إذن حينما أختار نص ما للترجمة، لا بد وأن هناك أشياء فيه تتماشى مع رؤيتي للحياة والوجود. فالمترجم ليس أداة لغوية تنقل نصوصاً من لغة إلى أخرى كآلة ميكانيكية، فالمترجم أيضاً كائن ثقافي، له رؤيته ورؤياه وتفسيره للحياة والوجود والمجتمع. وكل هذه الأشياء تمتزج معاً كي تشكل فلسفته في الترجمة. وهكذا لا بد لكل مترجم مبدع أن يكون له إستراتيجيته الخاصة في الترجمة. فأنا شخصياً لا أترجم رواية لا تتماشى مع ذوقي الجمالي ولا أترجم قصيدة لا تهز أحاسيسي ومشاعري».

حول الجوانب الفكرية والقومية في شعر أحمدي خاني يقول البروفيسورعز الدين مصطفى رسول «نشأ الفكر القومي لدى أحمدي خاني في المرحلة التي أصبحت فيها أرض كردستان مسرحاً لحروب الصفويين والعثمانيين والسلجوقيين والرومانيين، وكان الكرد يصبحون ضحية هذه الحروب ويتلطخون بالدماء. فالأطراف كانوا يعبرون كردستان والكردي له موقف الدفاع عن ذاته وعن مسكنه أو يشارك عنوة في أحد الجيوش، ويتطرق خاني لهذا الأمر في إحدى أبياته الشعرية بشكل واضح، فخاني كان يدرك هذه الأمور بوضوح وهذا ما خلق لديه الفكر القومي. نكاد لا نرى بروز الفكر القومي وفكر الدولة لدى شعراء كرد آخرين قبل خاني. هناك لدى الشاعر ملا أحمد الجزيري بيتاً في إحدى قصائده يتطرق لكردستان، يقول فيها (أنا وردة في حديقة إيرَمْ بوطان، وسراج في ليل كردستان)، وإيرم هي حديقة خاصة بأمير بوطان، وهذه فكرة قومية، ولكننا لم نحصل لديه إلا على هذا البيت الشعري الذي يتغنى فيها بكردستان ولا نغبنه فنجعله بداية. ولكن خاني الذي كان يتحدث بكل هذا التفصيل عن الكرد وعن الدولة ويدعو أمير إمارة بوطان للنهوض والسعي من أجل أن لا يخيّب أمل خاني، فهذا أمر سابق لأوانه، باستثناء بعض الدول الأوروبية».

ويقول الشاعر طيب جبار في حواره «الطفولة كنز لا ينضب، وذاكرة فترة الطفولة ذاكرة قوية، وحياة فترة الطفولة حياة بريئة منطلقة. نعيش الحياة بكل ما فيها من المرح والفرح والتمتع بالجمال المدهش لأي شيء نراه أو عمل نمارسه لأول مرة. قصيدة «ذات زمان... الظلام كان أبيض»، قصيدة تربط مرحلة الطفولة بالحاضر، الطفولة البريئة التي نفطر فيها صباحاً على إناءٍ من السقسقة مع الشاي، وظهراً نتغذى مرقة الفرح، ومساءً نتعشّى البيض المقلي بوميض القمر. أما الآن فنحن كالدود نأكل ثلاث وجبات من الطين، نتناوله ولا نعرف طعمه أو لونه أو رائحته. هي قصيدة تقارن بين فترة الطفولة التي ضاعت من دون رجعة والحاضر التعيس. قضيت فترة طفولتي في القرية وانتقلت إلى المدينة عندما كنت في السادس الابتدائي وكنت أتردد إلى القرية ولا أزال أتردد إليها بحثاً عن معالم طفولتي بين خرائبها وجداولها وسهولها وهضباتها. لكن هيهات! فالقرية قد دمرت على يد النظام البعثي في عام 1985، ومازالت كما هي بعيدة عن يد العمران».

ويضيف «كل فن أصيل هو ذاتي، والتعبير عن الذات فنياً يتضمن الصدق والدهشة، نعم مجموعة (يوم أموت) تنطلق من الداخل، ففي البدايات كانت تشغلني هموم الوطن والقومية واللتين شكّلتا أساس هميَّ الإبداعي. و كما باقي الكتاب من جيل السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، كنا نعمل من أجل التفريق بين الذاتية والموضوعية، فالذاتية تعني  التعبير عن الهموم الذاتية بالاستناد على المواد الحسية في الكون والذات الإنسانية، أما الموضوعية، فتعني أن تشتغل على هموم الجماعة وتجعلها موضوعاً لعملك الفني بالاستناد على المواد والظواهر الحسية في الكون سواء كانت حية أو جامدة. أنا الآن مبتعد نوعاً ما عن هموم الجماعة وأعبّر من خلال ذاتي عما يدور في خلدي وعن ما يدور لدى الجماعة».

ويشير القاص رؤوف بيكرد في حواره إلى أنّ «هوية الفن ليست محصورة في إطار لغة معينة، أو خارطة لكيان خاص بانتماءات أيديولوجية، بقدر ما هي إلغاء لهذه العناصر. تكمن الهوية في استجابة هذا الفن لمتغيرات العصر ومتطلباته ومدى انتمائه للهوية الإنسانية بدلاً من انحساره في دائرة مغلقة باسم المحلية. إن المحلية بمعناها الضيق، هي تفريغ الفن من المحتوى الإنساني، وقيمه العالية، في إيجاد الرغبة للحياة من خلال ممارسة شفافة للعلاقات، وهدم العوائق المترسبة نتيجة العزلة والأنانية البائسة».

ويرى الشاعر آوات حسن أمين أنّ «عملية الكتابة الإبداعية عموماً والشعرية خصوصاً يجب أن لا تخلو من التجريب، لأن الحياة في المحصلة النهائية سلسلة متواصلة من التجريب، والإنسان بطبعه مغامر ومجرب وهذا ما انعكس على كتاباتي بشكل عام».

ويقول الفنان التشكيلي إسماعيل خياط في حواره «طموحي لا حدود له، فكلما أنجزت مشروعاً فكرت في مشروع آخر، لأن طبيعة عملي بالدرجة الأولى مع الإنسان، الإبداع، الفكر، الأدب والسلام، أي أنا مع الكائن الإنساني الذي أكنّ له احتراماً كبيراً أياً كان. لذلك فأسئلتك الذكية تهمني كثيراً، وخاصة أنك تعرف عن ممارساتي ونشاطاتي الكثير الكثير، وكل ما سأقوله عن طموحي يتلخص في أن أقدم شيئاً يُسعد الإنسان ويُسعد من حوله الأحجار والأشجار والبيوت والأنهار... فعلى سبيل المثال عملت مع مدرسة الأيتام للأطفال، حيث شجعت هؤلاء الأطفال على أن يلونوا ملابسهم، وأن يلونوا الأشجار والأحجار والصخور... وهذا العمل نوع من السعادة قمت بتحقيقه كمشروع تابع لمنظمة اليونيسيف. كما قمت في اليوم العالمي للطفولة بجلب أطفال خانقين كي يلونوا معي صخور أطراف نهر الوند، حيث لوّنا مساحات شاسعة من ضفاف هذا النهر الحزين بسبب الجفاف».

يذكر أن لقمان محمود شاعر وناقد كردي سوري، من مواليد عامودا 1966م، مقيم في إسكيلستونا، المملكة السويدية. عضو اتحاد الأدباء والكتاب السويديين، عضو نادي القلم الكردي.
يكتب باللغتين الكردية والعربية، لديه حتى الآن، عشرون كتاباً مطبوعاً، وهذا الكتاب يحمل الرقم 21 في سلسلة الأعمال المطبوعة.

عمل محرراً لمجلة سردم العربي، ومحرراً لمجلة إشراقات كردية. كما عمل محرراً في جريدة التآخي الثقافية.

تعديل المشاركة Reactions:
"كسر العزلة الثقافية" للشاعر والناقد لقمان محمود

can

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة