-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

المخرج السينمائي محمد ملص لجريدة «سبا»: السينما أشبه بالبيت الذي أبنيه لأعيش فيه وأكسر غربتي عن واقعٍ يحيط بي .

 


حاورته: فاتن حمودي

“مدينتي التي أحلم بها لها باب دمشقي عتيق، وسور من أحجار القنيطرة السوداء، سقفها قرميدي، ودهاليزها ممرات الموسيقى في موسكو، شوارعها تمتد من حي الميدان في دمشق وحتى شارع غوركي”.

أبدأ بما قاله المخرج السينمائي محمد ملص رائد سينما المؤلف، صاحب الرؤية الشعرية، ابن مدينة القنيطرة، خريج مدرسة موسكو، المدرسة التي تركت أثرها في السينما السورية.

هذا الطفل الذي أغلق الباب ومضى نحو موسكو ليدخل دهاليز معهد السينما ويلتقى هناك بصنع الله إبراهيم وبأسماء كثيرة ضمن جيل خطّ كلُّ واحدٍ توقيعه على منصة فنه.

هكذا دخل محمد ملص عالم السينما في سبيل صوغ ذاكرة جماعية أمام واقع يحاول أن يمحو كل الصور ويُغيب كل الأصوات، لهذا يطلع من الواقع إلى المشتهى يعيدنا إلى الأدعية والمسجد والأم والأب الغائب، والدكان التي عمل فيه ليبقى هذا الخيط الشعري الذي يمسك بروح المكان والذي يعتبره البطل الأول .

محمد ملص المنتمي إلى جيل الحلم، هو صوت وذاكرة وصورة ومنام هو فيلم سينمائي بدأ في القنيطرة منذ الضربة التي تلقاها على الظهر من القابلة ليمضي بعدها نحو أروقة كثيرة ودائماً تكون العودة إلى دمشق إلى بيته ومكتبه وسجائره ورائحة قهوته،  الصوت صوته الشاعري الحالم الذي يدخل في نسيج أفلامه ليقول لنا: أنا السينمائي الشاعر حتى آخر المخيلة، هكذا تحتفظ ذاكرتنا بصور الأشياء المتبقية دائماً. 

أثمرت تجربة خلال ما يقارب 40 سنة الكثير من الأحلام منذ كان في موسكو، ثم دمشق، وفي مدن عربية أخرى، وحقق في موسكو، عدداً من الأفلام القصيرة ومنها:

“حلم مدينة صغيرة، اليوم السابع، الكل في مكانه، كل شيء على ما يرام سيدي الضابط”. إلى جانب أفلامه الروائية التي حققها لاحقاً، لا سيما  فيلمه الأول”أحلام المدينة”، 

الذي يروي فيه تجربة نزوح عائلته بعد فقدان أبيه، والنزوح من القنيطرة إلى دمشق، وفي فيلمه “الليل”، 1992، يتداخل الواقعي بالحلمي فينتج شعرية النص والصورة معاً من خلال سيناريو يربط دمشق بالقنيطرة وفلسطين، والفيلم من بطولة الممثل فارس الحلو.

هكذا يمضي نحو “سلم إلى دمشق”2013، والذي يدور حول  الانتفاضة السورية والمظاهرات، القمع والاعتقالات، الاختفاء القسري والعنف من خلال قصة حب وعاشق للسينما. 

يبدأ الفيلم بزيارة بطل الفيلم إلى قبر المخرج السينمائي عمر أميرالاي، يخبره بأن “الطوفان” قد بدأ، وكأنه يصل الزمن والحلم والانتظار معاً.

من يتابع أفلام وسيناريوهات محمد ملص يدرك عمق السرد السينمائي الذي يشكل فيه الحلم والشعرية خيطاً واضحاً إلى جانب ارتباط الذاتي بالعام، الشعري بالفنتازي، الواقعي بالسياسي. 

في هذه المسيرة توقف عند تجربة “صبري مدلل” أحد أعلام الموسيقى والغناء في حلب، فأنجز “مقامات المسرة”، 1997 وكذلك قدّم عملاً روائياً حمل عنوان “إعلانات عن مدينة كانت تعيش قبل الحرب”.

يقول: “في البدء كان السكون وكان الليل قد سجى وكان القمر وكان ثمة حَمَل صغير يسبح في الماء على صفحة السماء، قالت لي أمي” قول خير شفتك  اليوم بالمنام اللهم صلي على سيد الأنام الصورة كانت صورتك أنت، بس الصوت كان صوت أبوك الله يرحمه”.

ينطلق محمد ملص من المنام؛ منام أمه ومناماته التي تذكرنا بــ”منامات الوهراني”، يرصد لحظات الحلم والأمنية من خلال الأدعية في مسجد الشركس أو في ليلة القدر، يدرك في نفس الوقت البعد الجمعي الوجداني لذاكرة تتكىء على الحلم والواقع معاً، أو ما يُسمى ب”الذاكرة المتخيلة”. يحاول أن يستعيد أمكنة المقهى والشارع الذي فقد خصوصيته كبعد جمعي ومعرفي وتبقى “القنيطرة”، في ذاكرته ببيوتها المتناثرة وجامع  الشركس والكراج الترابي المؤدي إلى البوسطة فيها، لهذا يعود إلى أزمنة مفتقدة ومنتهكة، متكئاً على إرث وجداني عميق فتحضر الصورة الكتابية والسينمائية معاً.

في هذا الحوار نفتح باب البوح على التجربة والطفولة، من خلال العلاقة مع المكان والزمان و تجارب كثيرة أخرى.



_محمد ملص تقول في فيلم “ الليل”: “تساءلت في داخلي ترى لماذا لا يستطيع الإنسان عبر ذاكرة متخيلة أن يستعيد لحظة مسقط الرأس؟ لحظة “دبّت فيها الروح”، وأن يستعيد ما رأته العينان إثر تلك الضربة التي تلقاها على الظهر فأنبعثت الروح فيه”، ويقول باشلار البيت الذي ولدنا فيه محفور بشكل مادي في الذاكرة رغم السلالم الكثيرة نعود إليه هل تحدثنا عن فضائك الأول هذا ؟

_باشلار على حق حيث أنّ موطئ الرأس أو مسقطه يحفر في أرواحنا داهاليز متعددة، ليس هذا فحسب بل إن ثمة أشياء  أخرى محفورة في ذاكرتي هي ذلك الهواء الأول الذي تجرعته حين دبت في جسدي الروح، إنّه هواء القنيطرة الذي لا زال صوته يعزف على نوافذ روحي أينما اتجهت منذ الطفولة حتى اليوم وربما “باشلار”، لا يعرف معنى أن تفقد مسقط الرأس، لكنني فقدته ومنذ ذلك الحين والمكان يعزف صوته في وجداني في كل لحظة ويعلن حكاية مسقط الرأس الذي لا زلت أبحث عنه إلى الآن .

كانت (القنطيرة) التي رضعنا هواءها، واتخذنا أعواد الريحان خضرة لمقابرنا والزعبوب الأحمر على سفح تل “أبو الندى” فاكهة لنا والعكوب طعامنا، وأسطحة القرميد الحمراء زينتنا والأحجار السوداء جدراننا .

_استعادتك للصوت والصورة، الصوت كبعد كوني يندرج من صوت الصمت و الطبيعة، صوت الداخل وصوت الأغنية، ما الذي أخذك إلى السينما كبعد يستعيد لحظات كثيرة من الزمان والمكان؟ هل هو الصوت أم الصورة؟. 

_لا أعرف ما الذي قادني إلى السينما هل هو الصوت أم الصور، ولكن حدث ذلك منذ تلك اللحظة البصرية الصوتية التي أحدثت في داخلي نفخة الحب لهذه السينما فقد غصت عميقاً في أوراقها وتبدّى لي شيئاً فشيئاً أن الصوت والصورة أعمق مما يمكن أن تتلمسه الأذن أو العين. 

الصوت في معناه العميق هو نبض الأشياء، الصوت بالنسبة لي سواء كان مسموعاً أو غير مسموع، هو نفحة الحياة نبض الحياة، وقد علمني الشاعر العظيم “بونيف إيفان” أنك حين تعثر على الصوت فإن العمل الفني يهبط على راحتيك. لاحظي معي كيف يرتسم الصوت على شريط السينما، فلو أمسكت بالشريط السينمائي ونظرت إليه بين يديك سترين كيف يرتسم الصوت بما يسمى في العلوم بالذبذبات، ويسمى بالنسبة لي النبضات المترجرجة التي تنمو وتختفي وتنمو وتختفي وسط هذه التماوجات حيث يختفي صوت العمل الفني، وعلينا أن نصيغ منه ليس صوت الكلمة بل صوت الأشياء، الذي لا بد وأن يندغم في حالة من الهارموني أو الانسجام بحيث يجعل الصورة تنبض حين تمسكين ذلك الشريط بين يديك وترين هذه التموجات ستجدين أن الصورة تقبع إلى جانب الصوت هادئة مستكينة لا طعم لها، لكن حين يحصل تداخل بين الاثنين يمنح الصوت الحياة للصورة بعد أن كانت نائمة في تلك اللحظة وقد فاحت الآن ليس فقط بالضوء واللون بل برائحة الأشياء وطعمها .

هكذا أصبحت الصورة بالنسبة لي شيئاً فشيئاً وعبر الرحلة ذلك الشيء الذي يتخلق فيمحنك دفئه وطعمه وحنيته.

الــــشـــبــاب الأول

_باب المقام، وباب البيت في فيلم “أحلام المدينة”، الطفل وهو يخبط رأسه بالباب حتى يُدمى وتفتح البوابة ويهرب. ما الذي يعينه لك الباب كبعد مكاني وجودي وسينمائي وكيف فتحت بابك لتدخل عالم السينما؟. 

_تذكرين الباب في فيلم “ أحلام المدينة”، يومها كانت السينما بالنسبة لي هي أن أفتح الباب وأخرج من دهاليز ذلك البيت، أخرج لأطير وليس لأمضي في الشارع، يومها كانت الطائرة متجهة بقرار ما إلى موسكو، فهبطت هناك حيث تعلمت السينما ربما لو توجهت تلك الطائرة إلى مكان آخر لكان الأمر بالنسبة لي سيان وربما لو هبطت في مزرعة لزرعت، أو في مرسم لرسمت، لكنها هبطت في معهد السينما، قد تكون الصدفة كما في الحب هي التي تقودك إلى مصيرك أو إلى الحضن الذي تشتهيه ربما! لقد أدركت في معهد السينما بموسكو أن هذا الدفء هو الذي كنت أبحث عنه وهكذا بدأت أكتشف نفسي ومعها عرفت مذاق السينما .

_الأبواب وما وراءها كيف تنظر إليها باتجاهيّ المتع والحرية؟. 
_يجب ألا أخفي بأن الرحلة طويلة في السينما بين البداية واليوم ويجب ألا أخفي أن ثمة شيئاً من التباعد الروحي والوجداني بين البداية واليوم ربما هذا أمر طبيعي فالمتغيرات التي حدثت بين البداية عام 1974 واليوم، ربما هذه المتغيرات الخارجية والوجدانية الداخلية هي التي جعلتني أتأمل نفسي بشيء من المسافة تشبه مسافة البعد عن المرآة، فحين كانت الأبواب يوماً ما تخبىء وراءها المرأة أو ركبتها أو شيئاً ما في صدرها كما هي الطفولة، فقد كانت تلك الأبواب أيضاً بالنسبة لي هي الحجاب الموصد بين الخاص والعام وبين الحرية والقمع. يومها كان المكان ومنصة الأحداث هي الشارع. ومن هنا جاء “باب المقام” أيضاً، فقدت الكثير من الحنين لتلك الأبواب حيث تبدو لي اليوم خاوية من الأرواح ومنصة للعسس والقمع، لهذا فقد غدت الأبواب ليست تخفي العسس والقمع بل تخفي وراءه المرأة، بل روح الإنسان الخائف. أصبحت الأبواب حاجزاً بين الملجأ والحياة لأن الحياة الحقيقة تعاش في الشارع وليس في الملاجئ .


الــــمــــرجـــعــــيات الـــثـــقـــافية

_ما هو أثر ع القراءات الأولى، المرجعيات الثقافية التي أخذتك لاحقاً نحو الصوت والصورة والراحة؟.
_المرجعية التي لا أنساها أنني قد عملت في دكان منذ أن فقدت والدي، وبقيت أعمل في هذه الدكان إلى أن غادرت سوريا إلى الدراسة. ربما كانت القراءة الأولى لصحف معلقة على الأشجار، وعلى درابزين الشوراع أمام بائعي الصحف، وربما المرجعيات الأولى كانت هي تلك الكتب المستأجرة من دكان وحيد في حيّنا، ربما كانت المرجعيات ذلك الشارع الصاخب الذي يهتف ضد إسرائيل والاستعمار وصوت جمال عبد الناصر يرتفع وهو ينادينا، وربما كانت المرجعيات تلك الأدراج الطويلة حيث صوت الدكتور عادل العوا يلقننا الحدوس الفلسفية، وصوت عبد الكريم الياقي الذي علّمنا جمالية الشموع والقناديل في الشعر، وصوت بديع الكسم وهو يحفر في عقولنا مفهوم الغشتالت أو الصيغة.
ربما المرجعيات كانت “بلزاك” أو “تورجينيف” و ”غوغول” و”تشيخوف”. تلك الكلمات التي كنت أقراها وأحس معنى هذه اللحظة بضوئها وأمام عيني كما أحس ُّبدفء يد أبي وهي تمسك بي وتقودني من الدكان في القنطيرة إلى جامع الشركس.
_كيف يبحث الرجل في هذا العمر عن مرجعيات أصبحت اليوم تنتمي إلى عالم صوت الشيء صورة الشيء دفء الشيء طعم الشيء ؟. 

الـــــســفــر اكـــتـــشــاف
_تجارب السفر تدخل في الخبرات والتزود للثقافة وللعلم ما الذي يشكله لك السفر؟. 
_السفر هو جوع العين وقد عانيت من الجوع في عيني كثيراً، وما إن هبطت يوماً في مكان جديد إلا وشعرت بأن عيني تتعذبان بطعم الآخر.
فالسفر هو فتح الباب والأبواب وتراجع ستائر المنصة. 
والسفر هو الكاميرا حيث تبدأ بالدوران. 
والسفر هو كالحلم بالشيء الغامض بالطعم المفقود. 
والسفر هو الذي أنار كلَّ دهاليز النفس والروح، فتمعوضت الأشياء داخل هذه الدهاليز.
والسفر رحلة في كواليس الأشياء في كواليس المنصة.
السفر عندي حين تنطفى الأضواء في الصالة ويشع ضوء الشاشة.

الـــمـــدن والــــســــفــر إلـى الــسينمــا

_ إذاً كيف تحمل مدنك وأمكنتك الحميمة إلى منصة السينما لاستنهاض الذاكرة أبداً؟. 
_ العالم بالنسبة لي هو مدينة واحدة، هذه المدينة المتشكلة من الذاكرة التي تجمع الأماكن الأكثر تاثيراً في نفسي، فأنا لا أستطيع أن أميز القنطيرة عن دمشق وغيرها من المدن التي عشت فيها. مدينتي التي أسعى إليها لأن تكون فيلمي الشخصي. هذه المدينة هي هذه الأماكن الوجدانية التي أثرت بي، والتي قضيت فيها زمناً من حياتي، وكما بدأت الحديث لهذه المدينة باب دمشقي عتيق، وسور من أحجار القنيطرة السوداء، سقفها قرميدي كما في حارة “خطف”(1)، ودهاليزها، هي ممرات معهد الموسيقى في موسكو وشوارعها تمتد من حي الميدان في دمشق إلى شارع غوركي في موسكو ، ربما هذه المدينة ثمة مبنى (بيت الطلبة) وصالات عرض سينمائية ليس كما هو الحال الآن في دمشق هذه مدينتي أما بيتي فهو الفيلم.

_ من يشاهد أفلامك يلاحظ أهمية الاستماع إلى الموسيقى والغناء، في “باب المقام”، أخذ الغناء مدلولات مختلفة في رصد الشارع والمؤسسة والتغيرات الغناء هل هو شاهد آخر على الزمن؟. 


_نعم من يشاهد الأفلام التي حققتها سيلحظ أهمية الاستماع إلى الموسيقى والأغنية وربما ذروة هذا الولع في فيلمي “باب المقام”، الذي يدور حول حكاية امرأة تحب الغناء وسيلحظ محاولتي للتماهي مع صوت المرأة وأغنياتها والمصير الذي سيصدمها كما صدمتني السينما في المنطقة، وبالطبع أغنيتي المفضلة التي تقول،” المغنى حياة الروح  يسمعها العليل تشفيه”.
وليس صدفة أن تَرِد هذه الأغنية في أكثر من فيلم، كذلك أغنية،” إن كنت سامح وانسى الأسية”، تقول أم كلثوم: “ العين عزيزة والقلب غالي ومش كافيهم في الحب حالي “، هذه الأغنية جاءت في فيلم “الليل”، بالبطع هذه نماذج من الغناء الذي يصاحب عالمي الداخلي، رحلتي بين الأزمنة و الأمكنة، لكن الثقافة هي شيء آخر فمنذ اللحظة الأولى التي امتلكت فيها جهاز “الفونوغراف”، أصبحت الموسيقى بالنسبة لي هي الإبرة التي تنغرس بين خطوط الأسطوانة السوداء لتبعث الموسيقى، ولعل الموسيقى الكلاسيكية هي التي صقلت في داخلي جانباً من جوانب العلاقة بالحياة.
في موسكو كنت أحب أن أسمع في الصباح لــ “هايدن”، وكان صنع الله يحب الاستماع إلى “باخ”، كنا نجلس حول مائدة الصباح دون قصد مسبق فنبدو وكأننا أشبه بتكوين مسرحي على منصة جدارها الرابع هو الغابة والتي تبدو وكأنها المتفرج الوحيد على عروضنا.

الـــشـــروخ الـــمـــكــانـية

_ هل لا زلت تعطي للثقافة القيمة الأولى رغم كل الشروخات المكانية التي نعيشها في هذه المرحلة؟. 
_بعد أن جربنا الهزائم والحروب وبعد أن أصبح العدو ليس في الخاصرة بل في الظهر وهنا لا أقصد إسرائيل فقط بل أمريكا إثر احتلالها العراق وبعد كل ما نشاهده من مجازر يومية أحس أن السلام الوحيد الذي نملكه ويمكن أن ندافع عن كيونتنا ووجودنا هو الثقافة فلم يعد لدينا إلا أن نحارب عبر الثقافة والإبداع وكل ما نحتاجه لنخوض هذه الحرب هو أن نستعيد أنفسنا والباب الذي يجب أن نفتحه هو الديمقراطية. 


الـــشـــارع والـــمقــهى

_ ما الذي تقوله في الشارع والمقهى كبعدين مكانيين كان لهما سطوة الحضور وما هو مكانك الذي تلوذ إليه؟. 
_أصارحك أن شارعي ومكاني هو الكرسي الذي أجلس عليه، ورزمة أوراقي وقلمي، وحاسوبي. هذا بشكل يومي وبشكل اعتيادي، لا يناديني الشارع إلا حين يكون هناك فيلم وكاميرا ومصور و ممثلون وعلى الأغلب لا يناديني الشارع إلا قليلاً. وليست لدي اليوم أمكنة عامة محببة. 
أما مؤسسة السينما فهي بالنسبة لي ليست أكثر من أطلال مهجورة والمقاهي التي كنت أرتادها يوماً قد اقتلعتها البلدوزرات، فلم يبق لي إلا مكتبي وغرفتي التي تعبق برائحة السجائر المحببة لي وبخار القهوة ورائحتها لهذا فإن مكاني المفضل حيث أكتب. فلدي ما يكفي من مفكرات ومن ذاكرة لبناء عالم أحلامي وكتبي. 


_ محمد ملص ما الذي يعينه لك الزمن أمام سلسلة من الهزائم والحروب؟ وما الذي يعينه لك اليوم؟. 
_الزمن بالنسبة لي هو محاولة التمهل قبل الوصول إلى لحظة العدم، فلم يعد للزمن معناه النفسي ولعل نظرتي إلى قامة ابني عمر ودفء ابني نوار يعيدان لي الشعور بأن ثمة زمن يجب الصراع معه كي أحقق المزيد مما أطمح إليه.

_ كل شيء في مكانه وكل شيء على ما يرام سيدي الضابط وفوق الرمل تحت الشمس فيلمان بطلهما الأول السجن كبعد مكاني احتل مساحة في ذاكرتك وإبداعك ما الذي دفعك لاستحضار هذا المكان؟. 
_أختار دائماً أن يكون البطل (المكان) ليأتي إليه الأشخاص والزمن بملامحه المتخلفة من هنا فلم يكن اختيارنا للسجن اختياراً ذهيناً أو مجرد حل رمزي أو أدبي بل هو محاولة وثائقية للتعبير عن تجربة معاشة، الفيلم الأول يعيدني إلى وجه صنع الله إبراهيم وإلى صوته الذي لا زال يتردد (اه تعاليلي يما).
في هذا الفيلم استعدنا أنا وصنع الله تجاربنا الذاتية وذاكرتنا. كنا معاً تحت وطاة عيش العلاقة مع السينما بشكل كلي وكامل، فرواية صنع الله عن تجربة السجن كانت البذرة التي غرست في روحي مشروع الفيلم هكذا كانت موسكو توقظ في داخلي كل الشغف للحوار والكتابة واستنهاض الذاكرة من أجل جرجرة أمكنتي إلى المنصة السينمائية، وهكذا دفعني بعض الأصدقاء والقصص إلى كتابة سينمائية أخرى أيضاً عن السجن؛ السجن كبعد مكاني حقيقي لقتل وشل الثقافة والمثقف معاً.

تعديل المشاركة Reactions:
المخرج السينمائي محمد ملص لجريدة «سبا»: السينما أشبه بالبيت الذي أبنيه لأعيش فيه  وأكسر غربتي عن واقعٍ  يحيط  بي .

Şan

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة