-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

مسافةٌ كافية

 




جعفر العقيلي

 

 

(1)

أخفضَ من صوت الأغنية البلهاء على إذاعة محلية، وأغلق نوافذ السيارة، ورفع "النقّال" بيمناه، بينما ترك المقود لليسرى باتجاه عمله.

ضغط على رقمها، ففتحت الخط.

كان يودّ أن يقول: "أحبكِ"، ويغلق الهاتف.

أن يقول: "اشتقتُكِ"، فحسْب.

يقول كلمةً حلوة تخرج منه بلا رتوش.

تمنّى تلك اللحظةَ أن تتمنّى أن تصلها أنفاسُه، وتردّ الحبَّ بأكثر.

"هل وصلتِ العمل؟"، سألها، وحين أدرك أن هذه تكفي، لم يعثر على ما سيقوله حين ستنتهي من قول: "نعم، متأخرة قليلاً"، فأغلق السماعة وهو يتمتم "يللّه.. سلام".

 

(2)

ممدّداً كان يعلّق بصره في سقف الغرفة حين دخلتْ. الوقتُ عصريّة. ألقت بلوحةٍ مؤطّرةٍ على السرير، وقالت: "كنتُ سأُحضرها أمس. لكن..".

أبدى عدم اكتراثه منصرفاً إلى شاشة التلفاز الخرساء.

وحين أدارت له ظهرها تتدبّر زينتها أمام المرآة، رفع بيدهِ الغطاء وقرأ على اللوحةِ ما يحبّه من "درويش" وإيّاها، بخطّ فنّان أنيق: "كما ينبتُ العشبُ..".

أدار "الدبلةَ" في بنصره يستذكر حين نقشا العبارةَ معاً وهما يدشّنان مستقبلَ "شراكتهِما" مفعمَين بالأمل.

تقصّد في أن لا تنبس شفتُه بقيد حرف. وتركها تغادر الغرفة، كأنما خاطبتْ طيفاً تعوزه المشاعر.

 

(3)

مستلقيةً كانت في الغرفة الأخرى أثناء الغروب حين كتبَ لها على صفحتها في "فيس بوك": "إلى متى....؟".

ألغى نقطتين قبل إشارة الاستفهام، وأتبعَ الأخيرةَ بإشارة تعجُّب.

أحسّ بابتذال العبارة. أبْدَل بها: "كيف نعيد ترتيب أوراقنا؟". حذفها أيضاً، وكتب من جديد: "ما بالُ أمطاركِ شحيحة؟". وجدَ في العبارة تلكَ بعضَ البلاغة. وعندما عقدَ العزمَ على بعث الرسالة، كان جزءٌ منه يتمنّع مقنعاً إياه بسخافة ما يفعل، ومذكّراً إياه بوقارٍ يَفترضه فيه.

وعلى فوره غادرَ صفحته، لتظلّ كلماته عالقة.

 

(4)

اختفى المشهد الذي تتبّع فيه سمر سامي تنزلُ الدَّرَج بعَرجٍ خفيف يحبّه فيها. قلّب المحطات آخرَ الليل، وما جذبه شيء. أطفأ التلفاز، وأصاخ السمع لأصواتٍ وهمهمات تنبعث بين هنيهةٍ وأخرى من الجوار. راقَت له قرقرةُ مناغشةٍ على ما رجّح. حاول أن يلظم مما تناهى إلى سمعه من كلماتٍ متفرقةً، عقداً من الكلام يفهمه. ملأ الفراغات، فأعتمتْ نفسُه على شعورٍ باليُتْم.

تأمّل وجهَ التي تغطّ إلى جانبه بأنفاسٍ منتظمة، زفرَ وهو يطفئ النور دون أن يتزحزح من مكانه، أدارَ ظهرَهُ لغفوتِها ونام.

 

(5)

ظهيرةَ اليوم التالي، أرسل لها نَصَّهُ على بريدها الإلكتروني، طالباً منها قراءته بوصفها صديقة. وعلى فوره، فتح ملفاً جديداً في حاسوبه، وبدأ يملأ البياضَ بقصةٍ أخرى من بطولتها، فيما أراد لحضورِه أن يتوارى، على نقيضِ ما كانَ في خُطاطتِه أمس!


تعديل المشاركة Reactions:
مسافةٌ كافية

Şan

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة