سربند حبيب
هل يدفعنا الفقر للتخلي عن
أروحانا بكل سهولة، أم يدفعنا الثراء الفاحش للتلذذ والاستمتاع بتعذيب الآخر؟ في
المقابل هل باتت الإنسانية يوتيوبيا ضائعة في عصرنا الحال، أم أصبح التقدم والتطور
العلمي نقمة يعاني منه الانسان نفسه؟ ثم إلى متى سيبقى الإنسان مشكلة على أخيه
الانسان؟ ألم يحن زمن السلام والوئام أم إن العالم بتطوره متجهاً نحو القيامة...؟
أسئلة كثيرة يطرحه المسلسل
الكوري لعبة الحبار ""Squid Game، الذي
أنتجته منصة Netflix، كتبه وأخرجه المخرج السينمائي الكوري
(هوانغ دونغ هيوك) بطولة (لي جونغ-جاي وبارك هاي سو وواي
هاي-جون).
الكثير من صناع الافلام
(السينمائية – التلفزيونية) تطرقوا في
أعمالهم إلى قضية انحلال الخلقي نتيجة تفشي الحروب والأوبئة في عصرنا الحالي بعد
تلاشي القيم الأخلاقية والاجتماعية، والامتثال للقيم الإنسانية الحميدة، حيث نرى
الكثير من الفلاسفة والكتّاب والمخرجين دعوا إلى فكرة اضمار صوت الغريزة والانصات
لصوت العقل والتصرف وفق ما يمليه عليك الواجب الأخلاقي وليس الاندفاعات الجسمانية
العمياء.
المسلسل من نوع النجاة والبقاء
على قيد الحياة، تدور أحداثه حول مجموعة من الأشخاص يشاركون في سلسلة من الألعاب
الغامضة للفوز بجائزة مالية ضخمة تبلغ قيمتها 45.6 مليار وون، أي ما يعادل «38.5 مليون دولار أمريكي»، بسبب معاناتهم وفشلهم في الحياة اليومية،
حيث يعانون من ضائقات مالية حادة، وللتخلص من هذه الأزمة قبلوا الدعوة من رجل
غريب للمشاركة في هذه الألعاب والفوز
بالجائزة.
٤٥٦ شخصاً يقبلون الدعوة، يتم
أخذهم إلى مكان مجهول بعد تخديرهم وحبسهم هناك، في الوقت الذي كانوا يعتقدون بأن
اللعبة مجرد فوز أو خسارة، لكنهم يجدون أنفسهم في منعطف خطير، فالخسارة هنا تعني
الموت.
يجسد العمل مقولة الفيلسوف
الإنجليزي توماس هوبز (هل الإنسان حقاً ذئب لأخيه الإنسان؟)، فمن خلال
التنافس في الألعاب نجد كمية العنف الهائل والصراع من أجل البقاء، فعلاقة الأنا مع
الآخر في ذاك المضمار تقوم على أساس غريزي دافعه البقاء فقط حيث يظهر الحيوان
الدفين في نفس الإنسان بقوة وتغيب الإنسانية والقيم الأخلاقية التي تجعل من
الإنسان إنساناً حقاً.
تتجرد تلك الألعاب من روحها
البريئة والمنافسة الممتعة العادلة، فتظهر الجانب الحيواني فيها والصراع الدموي
فقط من أجل الحصول على الجائزة.
كذلك ينطبق هنا قول بول سارتر:
(الجحيم هو الآخرون)، فعندما يكون الآخر جحيماً حتماً ستكون هناك علاقات سلبية
مصدرها الألم والشقاء والعذاب.
يسلط العمل الضوء على المجتمعات غير العادلة،
تسودها قانون الغابة، ثمة شخصيات هامة في المسلسل تستمع بمشاهد القتل والدم هم
أصحاب رؤوس الأموال الأقوياء الذين يتحكمون بعامة المجتمع وخاصة الطبقات الفقيرة،
يتلعبون بهم ويتلذذون بقتلهم ويراهنون على سفك الدماء فقط من أجل إرضاء ساديتهم،
بعد موت ذاك الإنسان في نفوسهم.
يبرز الألعاب فكرة انتشار العنف
والخداع في المجتمعات الفقيرة التي تسودها قانون الغابة، حيث ينطبق منطق نيتشه
هنا: إن معنى أن نعيش جوهرياً هو أن ننهب ونجرح ونعتدي على الضعيف والسيطرة على كل
شيء بقوة، فلا مكان للضعيف هنا.
يبالغ العمل في طرحه السوداوية
بانعدام إنسانية الإنسان، والأنانية المفرطة، فمهما كانت الحياة سوداء سيكون هناك
البياض كعلامة) اليين
واليانغ)، فمهما طغى الشر سيقابله الخير،
ومهما انتشر القبح سيظهر الجمال يوماً،
فنلاحظ في بعض المشاهد يتطرق (دونغ هيوك) لتلك التفاصيل لكن بشكل خجول فمن خلال
لعبة شد الحبل يتعاون المجموعات مع بعضها لتكوين علاقات إيجابية، ولكن سرعان ما
تتلاشى تلك العلاقة وتظهر الأنانية الفردية وهو الهدف الرئيسي والغاية للوصول
القمة.
وكذلك دور البطل شي هونغ بحسب
التعبير الكانطي، يحاول دائماً فعل الخير فتعامله مع الغير كان على أساس الغاية
وليست الوسيلة التي ينطبق على مبدأ كانط: تصرف كأنك مشرع وفرد داخل مملكة
القوانين، وتصرف كأنك تعامل الإنسانية كلها في شخصك، كما في شخص غيرك كغاية وليس
كوسيلة فهذه التصرفات تؤسس لعلاقة إنسانية إيجابية.
إذاً في نهاية المطاف يجب أن ننصاع لصدى إنسانيتنا بقدر المستطاع،
فعندما نسمو بتطلعاتنا الإنسانية نتغلب على المعطى الحيواني الذي بداخلنا، ونبتعد
بذلك عن العنف والصراع الدموي ونقتل ذاك القابيل في نفوسنا، فالتربية التي تقدمها
الأسرة والبيئة التي يعيشها الفرد تفرض تلك القيم، وتكون المحصلة علاقة إنسانية
راقية، في عالم يسمو فيه الحب والصدق والاحترام وتقبل الآخر.