-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

حنين الصايغ لموقع سبا: المترجم الخائن إنسان متحجّر فكريّاً ووجدانيّاً (2)

 



حاورها: إدريس سالم

 

تسهم اللغة في صناعة الفكر، وتحدّد توجّهاته، وتؤثّر في طبيعة النشاط الذي يمارسه متمرّسها، فتظهر ردود أفعالهم وانفعالاتهم وتواصلهم وعلاقاتهم مع الآخرين، ضمن سياقات علميّة واجتماعيّة وثقافيّة. في حين لا تزدهر ثقافة أيّ أمّة أو شعب إذا لم تتقبّل ثقافة الآخرين، وتبني جسوراً معها، وكما يقول المترجم الألمانيّ المعروف هارتموت فِندريش: «المترجم هو حامل للنصّ، من ضفّة نهر إلى الضفّة المقابلة»، ومن هذا الموضوع موضوع الترجمة، نعود، وننهي الجزء الثاني والأخير، من حوار موقع «سبا» الثقافيّ، مع الشاعرة اللبنانيّة، حنين الصايغ:

 

·       هل الترجمة الإبداعيّة تغيير لغة فحسب، أم هي عملية إضفاء الصبغة الأدبيّة على المترجم في تعريف الترجمة؟

الترجمة هي التقاط الحالة الشعوريّة أولاً، والفكريّة ثانياً للكاتب، ثم نقلها بأمانة. المترجم الجيّد لا يجب أن يتعمّد إضفاء، أيّ صبغة من نفسه على النصّ المترجَم؛ لأن المترجِم هنا يعتبر وسيلة في عملية الترجمة، ولا يجوز أن يعتبر الترجمة ساحته ليعبّر عن نفسه. ولكن التقاط الحالة الشعوريّة بحدّ ذاته يتأثّر بخصائص المترجم وفكره. لذلك ترجمة الشعر يجب أن تكون حكراً على الشعراء.

 

·       إن الترجمة هي فعل مخاطرة على حساب النصّ المبتكر، وكينونة أو روح الكاتب. برأيك التواصل بين المترجم والكاتب أهو شرط أساسيّ لصناعة ترجمة سليمة لغويّاً وآمنة فكريّاً؟

إن كان هناك فرصة للتواصل قد يعتبر يكون التواصل إضافة. ولكن الكثير من الأعمال تترجم بعد أن يموت كاتبيها. بالنهاية لا يجب أن نتعامل مع النصّ الإبداعيّ وكأنه معادلة رياضيّة أو تركيبة كيماويّة في مختبر؛ الأدب هو البراح، وهو بوّابتنا إلى الحرّيّة، وسيد كلّ الاحتمالات.


 

·       متى يخون المترجم الكاتب؟

المترجم يخون الكاتب بفعل خيانة ممتدّة، بدأ بخيانة نفسه أولاً، وانتهى بالنصّ الذي يترجمه. المترجم الخائن هو إنسان متحجّر فكريّاً ووجدانيّاً من غير أن يكون واعي بذلك. ومَن هو غير واعي بالتحجّر الداخليّ، الذي لا يهب نفسه لتيّار الفكرة والشعور، لا يجب أن يكون له علاقة بالأدب.

 

·       وما أصعب ما يمكن التعامل معه في موضوع الترجمة، من وجهة نظرك كمترجمة؟ وربّما هذا السؤال يكون متفرّعاً ضمن الكثير من الخيارات!

من أصعب الأمور التي تواجهني في ترجمة الشعر، هو وجود أكثر من تأويل لكلام الشاعر، وحين تتطلّب الصياغة اختيار أحدهما كخيط ليمسك القصيدة. هذه الحالة تصيبني بقلق فظيع، وأشعر جراءها أني أمام قرار مصيريّ، قد أحلّها باستشارة بعض الأشخاص، الذين أثق بهم، أو بمراجعة أعمال أخرى للشاعرة، لتكوين صورة أوسع عمّا تحاول قوله في القصيدة التي تعثرت فوقها.

 

·       ولماذا وجود هذه التأويلات كان صعباً عليك؟

لأنك أمام اتّخاذ قرار بالنيابة عن شخص غائب. المترجم قد يقوّل الشاعر ما لم يقله. الترجمة أمانة، وكلّ مَن يحرص على توصيل أمانة، يجب أن يفهم هذا القلق.

 

·       الكلّ قادر على ترجمة الكلمات، لكن ليس باستطاعة الجميع ترجمة الأحاسيس والأرواح، وسبق وأن صرّحت أنه: «لا يجوز ترجمة الشعر إلّا من قبل الشعراء».

أنت شاعرة حنين، ولك ثلاث مجموعات شعريّة، وحاصلة على إجازة في اللغة الإنكليزيّة وآدابها، وشهادة ماجستير في تدريس مناهج اللغة الإنكليزيّة من الجامعة الأميركيّة في بيروت، والسؤال: لماذا أنت بعيدة عن الترجمة بشكل مباشر، فلم تترجمي كتبك، ولا كتب الشعراء، الذين تترجمين بعض قصائدهم، أم أنها مسألة شخصيّة؟

أترجم كفعل هواية وشغف. عندما يجافيني الشعر أدير وجهي لترجمته، وهكذا لا أحرّم نفسي من أنسه. دُور النشر هي السبب الرئيسي في عدم ترجمتي لأعمال شعريّة أو روائيّة بغاية النشر. غالبية دُور النشر العربيّة تفتقر إلى نظام عمل واضح وثابت، وتتعامل مع الكاتب بشكل فوقي، وتشعره أنه يتوسّل، أن يتوسّل من أجل أن يتمّ نشر كتاب له. أعمل حالياً على مجموعة شعريّة لشاعرة أعشقها، ولم يتمّ الترجمة لها من قبل. لا أعرف ماذا سيكون مصير هذه المجموعة، وما إذا كانت ستُنشر في أحد الأيّام.

 


·       وما سبب هذا الأداء السلبيّ؟

هذا الأداء السلبيّ، هو نتيجة طبيعة غياب منهج واضح، وخطّة عمل صلبة لدُور النشر. في الغرب يتطلّب نشر الكتاب أكثر من سنة. غالباً ما يرشّح العمل للدار وكيل أدبيّ، وتبدأ الدُّور بتقديم عروضها للوكيل الأدبيّ، ثم يقوم الوكيل باختيار العرض الأنسب للكاتب، وبعد ذلك تقوم دار النشر بتولّي كلّ المهام، من تدقيق وتصميم وطباعة وتسويق، ويكون لها الحصّة الأكبر في الأرباح. الكاتب يأخذ مبلغاً معيّناً أثناء التعاقد، ولا يأخذ سوى نسبة ضئيلة من أرباح المبيعات، ولكنه لا يدفع فلساً على النشر. هذا النظام يتطلّب صبراً وتقديراً جدّياً لقدرات الكتاب؛ لأنه قد يؤدّي إلى خسائر حقيقيّة لدار النشر. وهكذا لا تنشر سوى  أعمال الكتّاب، الذين يملكون مواهب وقدرات حقيقيّة.

 

·       قيل: «إن موت الفلسفة يلازمه موت الشعر». بينما يرى الفيلسوف الألمانيّ، مارتن هايدغر أن الشعر هو الفلسفة الحقّة، وبالتالي الكلمة الشعريّة تجلي الروح في عشقها للجمال، وتضيء ممرّات رغباتنا وصراعاتنا وعتماتنا ولذّاتنا الشهيّة، وهنا أقول أنك تعبرين حدود وخرائط الأفكار/ الكتّاب/ المدن بالترجمة، وتُحدِثين آلاماً بما تترجمين/ تنقلين إليها/ أو تنقلين عنها.

هل تحتاج الترجمة إلى شعر لا يتطابق إلا مع أفكار يقظة، شغوفة بالمجهول، منفتحة على الصيرورة، وبالتالي ليس هناك من شعر إلا حيث يكون ثمّة خلق وإبداع مطلق، بحسب ما يراه الشاعر والناقد الفرنسيّ، بيير جان جوف؟ هل هذا ما تحتاجه حنين كي تغوص في عالم الترجمات؟ وأيّ صنف تثير حاسّتها/ ذائقتها؟

كلّ ما أحتاجه، كي أغوص عالم الترجمة، هو الخروج من نفسي. أن أصبح حرّة مرّة واحدة. حرّة من أفكار ومعتقداتي وتجاربي وأوجاعي ورغباتي. الترجمة تشبه أن نصبح وعاء من جديد، كالأنبوب الشفّاق الذي يوجد في المختبر. الأنبوب الجاهز، ليكون حقلاً تفاعليّاً شفّافاً، لكلّ العناصر التي ستدخله.

تستميلني النصوص الشعريّة النسائيّة. الكثير يتحرّك في داخلي عندما أقرأ نصوصاً عارية وشرسة لا تعتذر عن قبحها ولا قيحها ولا نزفها.  نصوصاً لها أصابع لتثبت وجهنا باتّجاه كلّ ما تجنّبنا النظر إليه لعصور.

 

·       حنين ما أهمية أن يتضمّن الشعر أفكاراً فلسفيّة؟ وهل من الممكن أن تقدّم الأفكار الفلسفيّة تلك في إطار شعريّ مطعّم بالموسيقى والخيال؟

أجد مشكلة في هذه التصنيفات؛ الإنسان قرّر أن يستوعب العالم عن طريق تفتيته وتجزئته، ففصل الفيزياء عن الروحانيّات، الأدب والشعر عن الفلسفة. الفيزياء تكلّمت عن وحدة الكون، و كذلك الفلسفة والشعر. هل يأتي من فقاعة منفصلة عن بقية العلوم؟ لا أظن ذلك؛ الوجود متداخل، وتجربة الكاتب في هذه الحياة تمزج كلّ شيء، وتنتج أسراراً لا يفكّ طلاسمها إلا الأحرار، سواء كانوا مبدعين أم متلقّين للإبداع.

 

·       وماذا ينقص الكاتب ليخرج من محدوديّته الإبداعيّة ويكسر قالب/ قيد إعادة تدوير المآسي وتمجيد الخيبات والخسارات، وهذا ما ظهر في خفايا وأسرار مجموعتك الثالثة؟

التحرير من النزوع إلى التقديس هو مفتاح التجدّد. نحن نميل إلى تقديس الأفكار والأشخاص، وكذلك نتائج تجاربنا المحدودة. بعض المبدعون يتعثّرون بالألم، ولا يتعاملون معه كجزء من الرحلة، بل ينصبون له التماثيل، ويحجّون إليه لآخر يوم في حياتهم.

 

·       الفلسفة باعتبارها بحثاً عن الحقيقة تتوسّل باللغة، والأدب يبني عالمه على اللغة أيضاً، إذاً هناك سرديّة حبّ معلن بينهما. ما الذي يسمعه الفيلسوف في عالم الشعر؟ وما الذي ينصت إليه الشاعر في الحقائق التي يبحث عنها الفيلسوف؟

في الحالتين الإنسان يصغي إلى نفسه. لكلّ منهما آلياته في مقاربة الوجود، وهذه الآلية تمتدّ إلى تلقينا للآخر.

 

·       بيروت كمدينة وكمكان كانت حاضرة في مجموعتك الشعريّة. ما الفرق بين بيروت الشعر وبيروت السياسة وبيروت فلسفة إنسانيّة مخلِصة ومخلّصة، خاصّة وأن بيروت السياسة في قشرتها الخارجيّة تنادي وتناجي بيروت كمدينة للشعر والحبّ والوطن والفلسفة؟

بيروت هي كلّ ما ذكرت. كلّ ما حدث وما يحدث لها جعلها بيروت الموجودة في وجداننا وأفكارنا.  بيروت تشبه لوحة سرياليّة، كلّ خطّ وكلّ ظلّ وكلّ ندبة لها في تكوين تلك اللوحة. يقول محمود درويش أن «بيروت هي اختبار الله»، ولكني أظنّها كانت اختباراً للإنسان، ومرآة حقيقته، وضياعه، وتشظّيه.

 

·       فتحت مواقع التواصل الاجتماعيّ الباب أمام المتشاعرين لأن يكتبوا يميناً وشمالاً، ويُوسموا أنفسهم بألقاب كبيرة، دون إدراكهم لمسؤولية وماهية اللقب، حينما نرى إصداراتهم تعجّ بدُور نشر تجاريّة، تستغلّ تلك الطاقات تحت يافطة «دعم المواهب الشابّة»، أو إغراء تلك المواقع لهم.

ألا ترين أن ذلك أخّر، أو أضرّ بمسيرة تطوير الشعر؟ ماذا تقولين؟

مواقع التواصل الاجتماعيّ صعّبت بقدر ما سهّلت على الشعراء مسيرتهم. قبلها كان الوصول إلى الجرائد ودُور النشر بغاية الصعوبة، وكان الـأديب حكراً على مجموعة تقبع في مكاتب الطوابق العليا للمجّلات والمطبوعات. الوقت كفيل بتصفية الساحة من المتطفّلين عليها.

 


·       كيف تقرأين عالم النشر، ودَوره ودُوره وتطوّره؟

دُور النشر في العالم العربيّ تعتبر الشعراء مبدعين درجة ثانية أو ثالثة. الشعر – وبحكم طبيعته المشفّرة،  والتي لا تصلح للجميع – لا يحقّق مبيعات عالية، ولا يجمع الأموال، لذلك بتنا نشعر أننا حمل على دُور النشر، وباتوا لا ينشرون لنا إلا مقابل المال. نحن مَن قبلْنا بهذا الأمر، لذلك لم أعد أشتكي.

 

تعديل المشاركة Reactions:
حنين الصايغ لموقع سبا: المترجم الخائن إنسان متحجّر فكريّاً ووجدانيّاً (2)

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة